يجمع المؤرخون على اعتبار لبنان بلدا تاريخيا منذ القدم حافلا بالأحداث المختلفة ...فإن موقعه الجغرافي جعله محط أنظار ملوك وحكام وشعوب مختلفة باعتباره نقطة وسطية للتواصل بين الشرق والغرب بل بين مختلف قارات العالم...لذا عرف لبنان حضارات مختلفة تبعا من رومانية وبيزنطية ويونانية وعثمانية وأوروبية وعربية الأمر الذي جعله مرتعا لثقافات عديدة أكسبته أهمية تاريخية. في هذه المقالة سنتناول تاريخ لبنان خلال حقبة الحكم العثماني الطويلة وحتى نيله الاستقلال...
احتل العثمانيون لبنان في عام 1516 وخضع لحكمهم بقيادة السلطان سليم الأول الذي عين الأمير فخر الدين المعني الأول حاكما على لبنان المعروف في ذلك الحين ...لكن الاتراك انزعجوا من محاولات الامير فخر الدين التملص من الفرائض العثمانية وخاصة الجزية ، الأمر الذي أزعجح الاتراك فعزلوه ثم توفي مسموما في دمشق...عام 1590عين الاتراك فخر الدين الثاني حفيد فخر الدين الأول حاكما على جبل لبنان ومناطقه الساحلية، وقد عرف بدهائه وذكائه ومهارته السياسية...
وفي فترة ضعف الدولة العثمانيّة أخذت الدول الأوروبيّة الكبرى تتصل بالقوى المحليّة في لبنان، وبدأت تحرضهم ضدها لتنال من ضعفها، كما أن بعض القوى المحليّة أخذت تتصل بالدول الأوروبيّة لتدعم مكانتها المحليّة ضد القوى المحليّة الأخرى المنافسة لها. وقد شعر العثمانيون أن وضع جبل لبنان الداخليّ لا يبعث على الاطمئنان فرأوا أن يعملوا على تنظيمه إداريًا بشكل يتناسب مع ظروفه الحاضرة، فقسموا لبنان إلى قسمين: القسم الشمالي وعينوا عليه قائمقامًا مارونيًا. والقسم الجنوبيّ وعينوا عليه قائمقامًا درزيًا، ومع هذا لم يصبح وضع القائمقاميتين أفضل ممّا كانتا عليه في السابق، ولم تستقر الأمور الداخلية فيهما. فقد وقعت في جبل لبنان خلافات طائفيّة حادة خاصة بين الدروز والموارنة عام 1841م، وكذلك عام 1845م.
حاولت الدولة العثمانية على الرغم من ضعفها أن تمسك بزمام الأمور، فأنشأت مجلسين منتخبين يشاركان في إدارة القائمقاميتين جنبًا إلى جنب مع القائمقامين على الشمال والجنوب في جبل لبنان. إلا أن الاضطرابات المحليّة في الجبل لم تتوقف، فقد توترت الأوضاع من جديد بين الدروز والموارنة عام 1860م. وتدخلت الدول الأوروبيّة في النزاع الداخليّ في الجبل، حتى أن فرنسا أرسلت عام 1860م حملة عسكريّة فرنسيّة مؤلفة من ستة آلاف جنديّ، إلاّ أن الدولة العثمانية أسرعت وحلت الخلاف بشكل يرضي جميع الطوائف. ولما وصلت الحملة الفرنسية إلى لبنان وجدت أن الأمر قد حل، فاضطرت إلى الانسحاب. وتعدّ هذه الحملة، على الرغم من أنها لم تفعل شيئًا، بمثابة إنذار للدولة العثمانية، وبمثابة دعم وتأييد للجماعات المارونيّة، وهي أيضًا بمثابة مناورة عسكريّة أرادت بها فرنسا أن تلفت نظر الإنجليز إلى أن لبنان والمناطق السوريّة هي ضمن خريطة الاستعمار الفرنسي في الشرق...
عرف لبنان حوادث كثيرة خلال حقبة الحكم العثماني حيث عبر الشعب عن رفضه للاحتلال من خلال ثورات عدة كثورة الفلاحين في كسروان عام 1855 بقيادة طانيو شاهين التي ساهمت الى حد كبير في تقليص نفوذ السلطات الثمانية...
بقي لبنان تحت الحكم العثماني حتى نهاية الحرب العالمية الأولى حيث انسحبت القوات التركية وحلت محلها القوات الفرنسية...
أثناء الحرب الإيطالية التركية، وصلت السفن الحربية الإيطالية عام 1912 إلى مقربة من بيروت وأطلقت نيرانها على السفن التركية الراسية في الميناء، مما سمح لفرنسا بالإعلان أن لها مصالح خاصة في سوريا ولبنان وأنها لن تتخلى عن مواقعهاالتقليدية فيهما ولا عن حقها بالدفاع عن مصالحها. إقتسمت بريطانيا وفرنسا بلاد الشام والعراق، ووقع لبنان وسوريا تحت الإستعمار الفرنسي. وفي عام 1926 انشأ الفرنسيون الجمهورية اللبنانية، والتي تعبر بداية التاريخ الحديث للبنان وانتخب شارل دباس كأول رئيس للبنان.
أعلن إستقلال لبنان عن فرنسا في 22 نوفمبر 1943 وتم الإعتراف به في 1 يناير 1944. وإنسحبت القوات الفرنسية في 1946، وتميز تاريخ لبنان منذ الإستقلال بتقلبات سياسية متكررة وفترات من الإستقرار والتزعزع المتوالية حتى يومنا هذا.