"الاعتصام! لن نخرج من هذا المكان إلاّ عند تلبية طلباتنا"،
"أنا أرفض الواقع الذي أعيش فيه، كفاية"... كلّ هذه الكلمات كانت تعبيرات مهّدت للثّورة، فالثّورة لم تبدأ يوم 25 يناير، ولكنّها ظهرت من قبل في حركة كفاية التي كانت قبلها بعامَين، وبعدها ظهرت في حركة 6 أبريل، ثمّ الكثير والكثير من التّعبير بالرّفض، والإعلان عنه.
المسيحيّون أيضاً كان لهم دوراً، وقد عبّروا عن رفضهم للاضطهاد وبالذّات بعد حادثتَي نجع حمّادي في محافظة قنا، وتفجيرات كنيسة القدّيسين في الإسكندريّة. فخرجوا في مظاهرات واحتجاجات تعبّر عن رفضهم وغضبهم من الواقع وللمطالبة بالتّعديل.
في البداية كان المجتمع المصري يشعر بالكآبة وعدم الثّقة وعدم الرّغبة في الإنتاج، بسبب الشّعور الشّديد باليأس، وكان لسان حالهم يقول: "لا فائدة، لماذا أعمل وأكافح و لن أصل لأبعد ممّا أنا عليه الآن!!".
أيضا الفرحة مفقودة، حتّى مع إعلانات زيادة المُرتّبات لا تجد هناك فرحة، بل في الآونة الأخيرة لم يعُد النّاس يريدون ذلك، لأنّهم يعرفون أنّ المصاريف ستزداد بنسبة أكبر بكثير، حيث سيزداد سعر السِّلَع والمواصلات ... وكلّ الاحتياجات الاستهلاكيّة ستقفز أسعارها إلى الضِّعف.
الاعتصام جعل الحكومة تسقط، والحكومة عندما سقطت انكشف المستور، لنرى سلسلة من الأخطاء والفساد لا يمكن التّغاضي عنهما.
ولكن هذا أسعَدَنا، لأنّنا نسير في طريقنا للعلاج، بعد الحساب. لقد وضعنا أيدينا على الدّاء، لنَجِد الدّواء.
***
هذا درس نريد أن نتأمّل فيه، وقفة مع النّفس جعلتنا كمجتمع نتفاجأ بحالتنا ووضعنا. لقد تعرّى المجتمع، فوجد أباطرة المجتمع أنفسهم في السّجن. تخيّل نفسك أيّها العزيز القارئ في حالة اعتصام لإصلاح نفسك، فمن هو الجدير أن تقف أمامه؟!
سؤال صعب، أ ليس كذلك؟ لأنّنا عندما وقفنا لنحاكِم المسؤولين لم نتهاون مع أخطائهم وطالبنا بإعدامهم ومحاسبتهم، ولنا كلّ الحقّ في ذلك، فهم سارقون للمجتمع، ولكن ماذا عنّا نحن؟ ماذا عن فسادنا؟!! ... هل سنتهاون معه؟! أم أنّ الإصلاح سيشمل كلّ شخص فينا!!
إذا أردنا أن نعالج أنفسنا وعرّضنا أنفسنا لهذه الوقفة، لكانت مشكلة لا يعرف عاقبتها إلا الله.
الله .. هو الشّخص المناسب لكي نقف أمامه، نعتصم أمامه، لنَقُل له: "يا رب، لن أتركك إلاّ إذا كشفتَ عيوبي، لتُعالجني وتغيّرني، أقف أمامك فيحدث التّغيير".
الاعتصام في انتظار أن يُحدث الله تغييراً في حياتك، كفيلٌ بأن يجعل الله يغيّر حياتك بالكامل، ليس ذلك فقط، ولكنّه يدعمك فتستطيع أن تغيّر كلّ أخطائك، وهذه هي البداية.
إذا كانت ثورة الشّباب بالاعتصام حصلت على هذا النّجاح بسقوط عناصر الفساد، فإنّ ثورتنا على عناصر الفساد في حياتنا لا تأتي إلاّ بالاعتصام أمام عرش النّعمة، فإذا تعلّمنا هذا واعتصمنا أمام الله، ورفضنا أيّ تنازُل وأيّ تهاوُن مع أخطائنا، وفي الوقت نفسه نعترف أنّ الإصلاح لا يمكن أن يتمّ إلاّ من خلاله هو، وليس من خلالنا نحن، سنحصل على التّغيير المنشود.
إذا حاولنا الإصلاح بجهودنا الذّاتية سنفشل، لأنّ طبيعتنا فاسدة من حيث المبدأ، إذ يقول الكتاب المقدس: "إنّ الجميع أخطأوا وأعْوَزَهم مجد الله"، فإذا طلبت مجد الله في اعتصامك، وقلت: "إنّي لن أغادر هذا المكان – مكان الصّلاة والسّجود والصّراع مع الله – إلاّ إذا تغيّرتُ وحصلتُ على ما أصبو إليه"، فستكون النّتيجة تغييراً حقيقيّاً في حياتك. لأنّه بكلّ بساطة هو الذي سيُغيّر، فهل تجرّب؟