أوردت جريدة الأهرام المصريّة في عددها الصّادر يوم الثّلاثاء 2 مارس 2010
نبأً في الصّفحة الأولى يقول: "الجمعيّة العموميّة لمجلس الدّولة تُجدّد رفض تعيين المرأة قاضية وتدين محاولات التّدخّل في شؤون المجلس وتطاوُل الفضائيّات على قُضاته".
وعلى هذا قرّرت الجمعيّة العموميّة الطّارئة لمجلس الدّولة أمس بأغلبية 318 صوت مقابل صوت واحد، رفض تعيين المرأة بالمجلس.
إذن رَجُل واحد فقط وافق على تعيين امرأة قاضية و318 رفضوا، واليوم تؤكّد المحكمة الدّستوريّة العُليا هذا القرار. لكن إلى الآن لا تزال الحرب دائرة بين القُضاة حول أحقيّة المرأة لهذا المنصب، فلماذا؟
أخذتُ أُحلِّل ما حدث، فخلُصتُ إلى هذه النّتيجة، من الذي اتّخذ القرار أو رفَضَه؟
بالطّبع هُم الرِّجال.
لمَ يا ترى؟ لمَ على الرِّجال رفض أو قبول تعيين المرأة كقاضية؟ وهل المجتمع يقتصر على الذّكور دون الإناث؟
وهنا أتخيّل واحداً من الرِّجال يتبرّع بالرّدّ عليّ فيقول: "وهل انعدَمَ الرِّجال من الدّنيا حتّى تُعيَّن المرأة في منصب رفيع كهذا؟
لكن هذا ما حدث في بريطانيا العظمى، فهل انعدم الرِّجال فيها كي تتسلّم رئاسة الوزراء السّيّدة مارجريت تاتشر؟
كذلك، أَ وَلَيس للمرأة التزامات نحو عائلتها تفوق التزامات الرَّجُل نفسُه، ولها من الأدوار الاجتماعيّة التي فَرِضَت عليها لسنين طوال ما هو جيّد وما هو سيّء.
ولا بأس هنا من أن تعترضوا وتجيبوا: "ولكن المرأة عاطفيّة ورقيقة المشاعر ولا يمكن لها أن تحكُم على أحد بالإعدام".
نعم هذا صحيح، معكم حق، ولمَ تحتاج إلى أن تحكُم على أحدهم بالإعدام؟ ومع ذلك لا بأس، أجيبوني بعد أن تسألوا معي أولئك الذين سبقونا في هذا المجال، هل سبق وأنْ أصدرتْ النّساء اللواتي شَغَلنَ منصب قاضيات حُكماً بالإعدام على أحد؟
تحتاج إلى موافقة إلهيّة:
هنا وبسبب طبيعة بلادنا المُتديِّنة، تخيّلت أحدهم وقد وقف أمامي معترضاً على فكرة تعيين المرأة قاضية، على أساس وجهة النّظر الدّينيّة التي تقول بأنّ الله أعطى الرِّجال أدواراً مختلفة عن النّساء، وميّزهُم عنها برَجاحَة العقل وثبات الفكر وتوازن الانفعالات وكمال الدِّين، وعلى هذا لم يمنح الله المرأة هذا الدّور.
وتخيّلتُ نفسي أجيبه قائلة: إذن أنت ترى بأنّ الله يرفض أن تكون المرأة قاضية؟
وإن أجابني: وما أدراني، كيف لي أن أعرف إن كان الله موافقًا أم لا؟
أردّ عليه: حسناً، فلتسأل الله إذاً.
ولكن هل يمكننا سؤال الله في أمور كهذه؟
نعم يمكننا فعل ذلك ومعرفة رأيه، فقد خلق الله البشر وهو مهتمّ بهم وبالموضوعات التي تشغلهم. وكيف سيُجيبنا الله؟ سيُجيبنا الله من خلال كلمته الحيّة الباقية إلى الأبد (من خلال الكتاب المقدّس بعَهدَيه القديم والجديد). تعال معي لنُوجِّه لله هذا السّؤال: "هل أنتَ موافق استناداً إلى ما وردَ في العهد القديم على أن يتمّ تعيين المرأة في منصب "قاضية"؟ ولمعرفة رأيه، علينا البحث عن قاضية ذُكِرَتْ في الكتاب المقدّس.
دبّورة
أوردَ سفر القضاة، وهو أحد أسفار الكتاب المقدّس (العهد القديم)، أسماء العديد من القضاة الذين قضوا في بني إسرائيل، منهم من كان قاضياً صالحاً "كجدعون" الذي قاده الله بروحه للنّصرة على أعداء بلده في الخارج وفي الدّاخل. ومنهم من بدأ مع الله شوطاً قويّاً لكنّه لم يُكمِل مسيرته حتّى نهاية حياته بصورة جيّدة "كشمشون".
كما تحدّث هذا السِّفر في الإصحاحَين الرّابع والخامس منه عن حياة قاضية تدعى "دبّورة"، اختلف العلماء في معنى اسمها إن كان يدل على" كلمة" أم "نحلة".
بالنّسبة إليّ أُحبّ استخدام المعنى الأوّل لأُدلِّل به على الكلمة العادلة التي تفوّهت بها هذه السّيّدة، كذلك أُحبّ استخدام المعنى الثّاني لأدُلّ به على مدى نشاط هذه السّيّدة التي شُبِّهَتْ بالنّحلة "الدّبّورة".
WitheringtonIII, Ben. Women and the Genesis of Christianity ( Great Britain: Cambridge University Press, 1995).
وإن كنت تسألني إن كانت هذه السّيّدة قد تزوّجت، سأجيبك نعم لقد فعلت. على الرّغم من أنّ مهنة القاضية مهنة شاقّة تحتاج إلى تفرّغ، إلّا أنّ هذه المرأة كانت متزوّجة من رَجُل يدعى "لفيدوت". ومعنى اسم هذا الرّجُل هو "مصباح أو سراج" وكأنّ اسمه كان نبوءة عمّا يتمتّع به من استنارة داخليّة وفكر حُرّ، وعلى هذا لا أعتقد بأنّه كان يشعر بصِغَر النَّفْس أو الإحراج من كَونِه زوجاً لإمراة قاضية، بل على العكس أعتقد بأنّ "دبّورة" كانت زوجة رائعة لأنّها أضاءت حياتها الزّوجيّة وأنارت قلب زوجها، وحقّقت المَثَل عن المرأة الفاضلة المذكور في سِفر الأمثال 31: 23
.
النّساء أيضاً متميّزات:
"دبّورة" كانت سيّدة متميّزة، فالله حَباها بالفكر والمشاعر:
- كانت أُمّاً بين شعب الله قديماً.
- قائدة ضدّ الظُّلم، فقد دَعَتْ باقي العشائر من قومها للانضمام إليها لرفع الظّلم والاعتداء.
- كذلك كانت شاعرة، كتبتْ ترنيمة جميلة ذكرها سِفر القضاة 5: 3
.
المرأة في العهد الجديد من الكتاب المقدّس:
Mears, Henrietta. What the Bible is all about for the Young Explorer.( California,: Regal Books 1997).
في إنجيل لوقا نجد قصّة ذَكَرها الرّبّ يسوع عن القاضي الظّالم الذي اضطرّ إلى إنصاف الأرملة اللّجوجة وإعطائها حقّها بسبب لجاجتها، (<a href="index.php?option=com_bible&view=books&Itemid=1122">إنجيل</a> لوقا 18: 1 - 8
). أَ لا ترى معي بأنَّها تشبه محامي دفاع يَقِظ يبقى يُطالِب بحقّه حتّى يحصل عليه؟.
لكنّ الصّورة الأهمّ عن المرأة القاضية نجدها في <a href="index.php?option=com_bible&view=books&Itemid=1122">إنجيل</a> متّى 12: 42
. هنا يُشير الرّبّ يسوع إلى "ملكة سبأ" التي ستقوم في يوم الدِّين -يوم القضاء- وتدين هذا الجيل، "ملكة سبأ" هذه كانت باحثة عن الحكمة فجاءت إلى "سليمان" لتسمع حكمته قاطعة آلاف الأميال من بلادها، وهي ستظهر في يوم الدّينونة العظيم لتقضي وتحاكم هذا الجيل (حسب قَول المسيح نفسه).
وهنا نسأل سؤالاً أخيراً:
"إن كان الله موافقاً على هذا الموضوع في الأرض وفي السّماء، فمتى سيوافق البشر عليه!؟"
بقلم / كميلة إيليا
موضوعات أكثر عن المرأة:
- ما هي قيمتي؟
- حقوق المرأة (من برنامج "دعوة للحريّة")
- ملكة سبأ (من برنامج "بنات حوّاء")
- دبّورة (من برنامج "بنات حوّاء")
- لا أريد أن أكون فتاة