عزيزي صاحب باب المُشكلات والحلول ....
أنت تُعطي أملاً ورجاء لمن يكتب إليك وأنا أكتب لك اليوم لأنّي مُؤرَّق ومُتعَب للغاية ممّا أنا فيه وأرجو أن أجد عندك أيضا أملاً ورجاء ونصيحة نافعة لمُشكلتي .....
قبل أن يحدث معي ما حدث كُنت أعتقد أن ما نُشاهده في الأفلام والسّينما مُجرّد خيالات وأفكار كُتّاب شطّ بهم الفكر فألّفوا ما نراه نحن على الشّاشات، لكنّي الآن أُدرك أن مآس كثيرة مّما نراها على الشّاشات لها وجود حقيقي في الحياة.
أنا أعتقد بل ومُتأكّد من خيانة زوجتي لي وإن كنت لا أجد دليلاً دامغاً حتّى الآن لأُثبت به هذه الجريمة المُشينة! وآه لو وجدت!
لقد تربّيت في مجتمع مُغلق ومُحافظ يعتبر أحياناً أنّ مُجرّد كلام البنت للولد لا يكون مقبولاً، على هذا نشأت وتربّيت وهكذا عرفت الحياة بكلّ أشكالها وألوانها، حتّى أنّني في الجامعة كُنت أتجنّب الحديث مع الزّميلات بل وأتحاشى حتّى الجلوس جوار واحدة منهنّ، وإن اضطرّتني الظّروف لذلك تجدني مُتضايقاً وأتصبّب عرقاً وأتمنّى أن تنتهي المُحاضرة بسرعة حتّى ينتهي هذا الوضع غير المقبول لي حتّى كان الكثيرون يُلاحظون ذلك ويتهكّمون عليّ أحياناً، لكنّي لم أكُن ألتفت لأمر كهذا كثيراً.
تعرّفت على زوجتي في إحدى المُناسبات العائليّة الرّسميّة وهي قريبتي من بعيد لكنّها مُنفتحة كثيراً عنّي بحُكم تربيتها في مدينة بعيدة ومُتحرّرة أكثر عن مُجتمعنا الذي نشأت أنا به. كان ارتباطنا وزواجنا سريعاً فلم نعرف بعضنا جيّداً وإن كانت الفروق في الشّخصيّات واضحة منذ البداية لكنّنا اتّفقنا أن يحترم كلّ منّا الآخر ويكون أميناً له، ومن النّاحية الأخرى أن يسعى كلّ منّا لأن يُغيّر من عاداته وطباعه وسلوكيّاته ليُلائم الطّرف الآخر ويُرضيه.
بعد الارتباط الذي عمره الآن لم يتجاوز العامين، لفتّ نظر زوجتي إلى أمور كثيرة لا تُعجبني فيها، من جهة ملبسها وطريقة مشيتها وتعاملها مع النّاس لا سيّما الرّجال فما كان منها إلّا أن كانت تهتمّ في البداية وتَعِد بمُراعاة ذلك مُستقبلاً، ثمّ مع المزيد من ضغطي وإلحاحي بدأت في الثّورة والتّمرُّد واصفة أيّاي بالغيور والشكّاك، وأنّها مادامت تحترم نفسها فلا داعي لأن أُضيّق عليها بأفكاري ومبادئي البالية على حدّ قولها، وهكذا بدأت المشاكل بيننا تزداد.
أنا أعترف أنّني أغار عليها لأنّني أحبُّها، ولأجل شرفي وكرامتي أيضاً اللذين هما كلّ ما أملك في الحياة وأنا غير مُستعدّ أن أضحّي بهما تحت أيّ ظرف من الظّروف وإلّا أنتهي وتنتهي حياتي وعائلتي.
والآن ومنذ عدّة شهور بدأت ألاحظ أنّ زوجتي بدأت تهتمّ بنفسها بوضع زائد عن الحدّ لم يكُن موجوداً قبلاً، كما أنّ كلامها معي صار قليلاً ومُقتَضَباً، وبدأت تنصرف عنّي في الكثير من أمور الحياة والزّواج وكأنّها صارت مشغولة بأمر آخر لا أعلمه ممّا زاد من شكوكي تجاهها، تُرى ما الجديد الذي أخذها منّي أو رُبّما أقول (من!) وكُلّما كُنت أُلمّح لها أنّني ألحظ تغييراً في سلوكيّاتها تجاهي كانت تتهرّب من ذلك وتُعطي مُبرّرات لا يقبلها عقلي كمشاكل في العمل أو إرهاقاً وتعباً لسبب أو آخر. وأنا من الأصل لم أكُن راضياً عن عملها واتّخذت ذلك ذريعة لمُفاتحتها في أمر تركها للعمل والجلوس في البيت فهاجت وماجت وأنذرت أنّها لا يُمكن لها أن تقبل أمراً كهذا أبداً. أنا بدأت أتوجّس وبدأت ألاحظ مُكالمات تليفونيّة هامسة بينها وبين آخرين لا أعرفهم وإن كانت تدّعي أنّهم صديقاتها وقد رفعت السّمّاعة ـ ذات مرّة من دون علمها ـ واسترقت الإنصات لأتأكّد من كون المُتحدّث رجلاً أم امرأة وكانت المُتحدّثة فعلاً امرأة، ومع ذلك، فلم أسمع ما يُبرّد ناري بل بالعكس زادها اشتعالاً، إذ اتّفقت هي وصديقتها على ضرورة أنّها لا بدّ أن تجد حلاً لهذا الملل الزّوجي الذي تعيش فيه! معك حقّ: استبدلها بالآتي: أن تجد حلّاً لهذا الصّراع وهذه المُعاناة اللذين تعاني منهما في حياتها الأسريّة وبعلاقتها مع زوجها الذي هو أنا! لا أخفيك سرّاً أنّني راقبتها لبعض الوقت وعُدت أكثر من مرّة للمنزل فجأة في غير موعدي علّي أكتشف شيئاً لكنّي لم أجد، وأحسّت هي بفطرتها أنّني أشكُّ فيها فهدّدت بترك البيت وازداد الموقف بيننا توتُّراً وانفعالاً حتّى صارت الحياة بيننا مُرّة وشاقّة وأنا لا أعرف كيف أتصرّف الآن وهل أنا أظلمها أم أنّ شكوكي هذه في محلّها وإن لم تكُن، كيف يُمكنني أن أتغلّب على شكوكي ومخاوفي هذه ..... أسئلة وضغوط كثيرة لديّ وأنا مُشوّش جدّاً، فبماذا تنصحني؟
صديقي العزيز،
أنا أرى أنّك صعّدتَ وعقّدتَ الأمور في حياتك وحياة شريكتك لحدّ كبير، حتّى التهمتكَ المخاوف وكادت أن تقضي على عُشّكُما الهادىء وبيتكما الذي كان ينبغي أن يكون مُستقرّاً. وأنا أرى أنّه وإن كانت هناك اختلافات، وهي موجودة مادام البشر موجودين، لكنّ الحكيم هو الذي يسعى للتّكيُّف معها وتهدئتها بدلاً من وضعها كحدّ سيف يقتل كلّ من يقف سواه.
صديقي، أنا أريدك أن تهدأ وأن تُعيد الأمور أوّلاً إلى نصابها الحقيقي ووضعها الأساسي ولا يتطلّب الأمر منك أكثر من ذلك.
صديقي، نخدع أنفسنا والآخرين إن اعتقدنا أنّ أحدنا قادر أن يُغيّر الآخر أو حتّى أن يتغيّر لأجله، لكنّ التّغيير على أيّ حال هو سِمة حياة البشر وهو يحدث دوماً حتّى دون أن نشعر، لكن الحكيم هو من يُركّز على تغيير نفسه هو قبل أن يُحاول أن يُغيّر الآخرين.
مّرة ثانية يا صديقي أنا أدعوك ـ بإرادتك وبمعونة الله الذي تحتاج جدّاً إليه (كما نحتاج كُلُّنا دوماً) ـ أن تُسكِت كُلّ التيّارات الهائجة والجامحة في حياتك التي رُبّما صنعتَها أنت بنفسك، أو أنّ مُشاهداتك للأفلام ساعدتك على صنعها أو أيّ أمور أخرى. أَسكتها قبل أن تُدمّر حياتك وأسرتك. وأنا لا أتحامل عليك تماماً، فرُبّما تكون زوجتك هي الأُخرى لم تستطع أن تستوعب شخصيّتك وخلفيّتك وظروفك ممّا زاد المُشكلة اشتعالاً وتعقيداً وما كان ينبغي عليها أن تفعل، ورُبّما ما كان عندها هو ردّة فعل لاختلافاتكما في التّربية والتّفكير أو لتضييقك عليها. لست أعلم، لكنّني في الأخير أوجّه رسالتي لك أنت أولاً وبالأخصّ، ليس فقط لأنّك الذي أرسلت لي، لكن أيضاً لأنّك أنت ربّ الأُسرة ورُبّان السّفينة الذي يُبحر بها وسط أمواج الحياة المُتلاطمة وعليه تقع المسؤوليّة لأن يُحافظ عليها إلى المُنتهى ويقودها بكلّ مهارة وحنكة حتّى يرسو بها أخيراً على برّ الأمان.
صديقي، كلّ ما قلتّه لا يزيد عن مخاوف وهواجس لا ترقى لمرتبة أن تُضيّع حياتك لأجلها، وقد أجريتَ أنت بنفسك أكثر من تجربة فلم تُمسك شيئاً يدين زوجتك. على أيّ حال، أنا أشجّعك أن تبدأ صفحة جديدة ممتلئة بالثّقة والحُبّ والاستعداد للبَذل والتّضحية، واطرد مخاوفك تماماً وانساها وكأنّ شيئاً لم يكن، واستمتع بحياتك مع الزّوجة التي أعطاك الله إيّاها. اعتذر لها وابدآ سويّاً البداية الجديدة.
أخيراً، أُشجّعكما من كلّ قلبي أن تقتربا معاً من الله العليّ القدير بالصّلاة وطَلَب وجهه وقراءة كلمته وهو سيبارككما ويحفظُكُما من كلّ شرّ. آمين.