* نؤمن كمسيحيّين بأنّ الرّب يسوع المسيح يَهبنا السّلام، وسلامُه يختلف عن السّلام الذي يمكن أن يحصل عليه الإنسان من مصادر أُخرى سواء بشريّة أو ماديّة أو معنويّة.
*يقول الرّب يسوع في الإنجيل المقدّس في إنجيل متّى 5: 9
،
وكلمة طوبى تعني يا لفرح ويا لسعادة الإنسان الصّانع سلاماً، لماذا؟ لأنّه سيكون من أبناء الله.
إذاً، لكي يكون الإنسان صانع سلام عليه بالمقابل أن يكون لديه سلام في حياته، حتّى يستطيع أن يعكسه إلى الخارج من خلال كلامه وتصرّفاته وأعماله وعلاقته بمحيطه وسَعيه حتّى يزرع هذا السّلام حيثما يستطيع، ويعمل على إيصاله إلى كلّ من يلتقي به.
*كيف نحصل على سلام المسيح؟ ماذا يعني سلام المسيح؟ كيف وأين نعيش سلام المسيح؟ وهل كوننا نحصل على سلام المسيح يعني أنّنا لن نواجه مصاعب في حياتنا؟ ولن نشعر بالحزن ولن نتعرّض للمرض ولن نجوع ولن نعطش ولن نتعرّض لأي نوع من أنواع الهموم؟
حتّى نفهم السّلام العجيب والفريد والمميَّز الذي يَهبه المسيح للمؤمنين باسمه، علينا أن نرجع للإنجيل المقدّس ونقرأ ماذا يخبرنا وماذا يقول الرّب يسوع في الموضوع وكيف فهم المؤمنون كلامه وسلامه، وكيف كانت حياة المؤمنين خلال وجود المسيح بالجسد على الأرض ومن بعد صعوده إلى السّماء وبداية الكنيسة، وكيف عبّر المؤمنون بالمسيح عن إيمانهم وثباتهم بالمسيح بطُرُق مختلفة.
قال الرّب يسوع في إنجيل يوحنّا 14: 27 .
وقال الرّب يسوع أيضاً في إنجيل متّى 10: 34 - 38 .
للوهلة الأولى يتبيّن لقارئ هذا الكلام أنّه متناقضٌ، ماذا يعني أنّ المسيح لم يأتِ لكي يُلقي سلاماً على الأرض بل سيفاً، وبعدها يقول سلاماً أترك لكم سلامي أُعطيكم؟ كل إنسان يودّ ويرغب أن يفهم كلمات المسيح عليه أن يختبر العلاقة السّامية والمميَّزة مع المسيح، حتّى أنّ القارئ العادي لن يصعب عليه أن يفهم كلمات المسيح إذا قام بمقارنة بين ما عاناه المؤمنون بالمسيح من مصاعب وبين ردّة فعلهم، فإنّه سيكتشف أنّه لا يوجد تناقض أبداً بل بالعكس تماماً فهو سيكتشف أنّ المسيح بالحقيقة معطي السّلام.
*لنتأمّل بكلمات المسيح في إنجيل متّى 10: 34 - 38 .
يفسِّر البعض كلمات المسيح بأنّه لا يعطي السّلام، بل على العكس هو جاء ليحكم بالسّيف ويكون ديكتاتوراً ويتسلّط على الّناس بالقوّة ويعلّمهم على الحقد والكراهية، ويحرّض الابن كي يتمرّد على أبيه والبنت على أُمّها والكنّة على حماتها والعكس بالعكس، وتصير حياة أهل البيت نكد بنكد وتسيطر العداوة بينهم. ويظنّ البعض أنّ المسيح أناني، يريد أن يحبّه الابن أو البنت أكثر من أهلم، ويريد من الأب والأم أن يحبّاه أكثر من محبّتهم لأولادهم وما شابه.
هكذا يفكّر أعداء المسيح وأعداء الإنجيل، إمّا عن قصد أي هم يفهمون حقيقة كلام المسيح، أو عن جهل لعدم فهمهم قصده.
*السّؤال الذي يطرح نفسه: هل المسيح الذي علّم عن المحبّة وقال: أحبّوا بعضكم بعضاً، وعلّم عن المسامحة وقال سامحوا بعضكم كما أنا سامحتكم، وعلّم عن السّلام وقال سالموا بعضكم بعضاً، وكان يخدم الّناس ويهتمّ بحياتهم الرّوحيّة والزّمنيّة وكان يشبع الجياع ويروي العطشى، ويشفي المرضى، وُيحيي الموتى، المسيح الذي أعلن أنّه جاء يفدي البشريّة حتّى يحرّرهم من قيود الخطيّة وسلطان الموت الأبدي ويمنحهم غفران الخطايا والحياة الأبديّة، معقول أن يكون قد جاء ليحكم ويتسلّط بالسّيف ويحرّض النّاس على بعضهم البعض؟ طبعاً غير معقول، إذاً، يجب أن يكون هناك قصد حقيقي ومعنى صحيح صريح لكلمات المسيح. يا ترى ماذا قصد الرّب يسوع المسيح؟
*حتّى نفهم ما هو قصد المسيح لنقرأ ماذا جرى للمؤمنين كما هو مكتوب في سِفر أعمال الرّسُل، وماذا حلّ بالمؤمنين بالمسيح عبر التّاريخ وما يزال حتّى أيّامنا هذه وخاصّة بالمؤمنين بالمسيح من خلفيّات غير مسيحيّة، وأيضاً عن مؤمنين وُلدوا من أبٍ وأُمٍّ مسيحيّين لكن لم يكونوا يعرفون المسيح في حياتهم، ولكن في وقت ما تعرّفوا به وعَرَفوه حقّ المعرفة فغيّر حياتهم.
نقرأ في سِفر أعمال الرّسُل 8: 1 - 4 .
من بعد صعود المسيح للسّماء بالجسد، كان عدد المؤمنين بالمسيح يرتفع بكثرة وكانوا مكروهين من اليهود الذين هم منهم ومن بينهم، أبناء وبنات وآباء وأُمّهات، وتعرّضت الكنيسة لاضطهاد كبير فكان يتمّ البحث عن المؤمنين واعتقالهم واقتيادهم للمحاكم وأقبية التّعذيب، وكانوا يُعدَمون بوسائل مختلفة.
لماذا حلّت عليهم المتاعب بما أنّ المسيح قال: سلاماً أترك لكم سلامي أعطيكم؟
لم ينكث المسيح بوعده أبداً كما قرأنا، فالمؤمنون وبالرّغم من الاضطهاد الكبير الذي عانوا منه كانوا يفتخرون بإيمانهم ويجاهرون به ويبشّرون بالإنجيل باسم المسيح، ويَدعون النّاس للإيمان به حتّى ينالوا غفران خطاياهم وخلاصهم الأبدي.
*الرّب يسوع سبق وأخبر المؤمنين عن الاضطهاد الذي سيتعرّضون له. قال الرّب يسوع في إنجيل يوحنّا 15: 20
.
ونقرأ أيضاً في إنجيل متّى 24: 9 و10
.
وفي إنجيل يوحنّا 16: 2
.
*بولس الرّسول تعرّض لمشاكل ومصاعب واضطهادات، فيقول في رسالة كورنثوس الثّانية 11: 24 - 27
.
*بطرس أيضاً نال نصيبه من العذاب والاضطهاد بسبب إيمانه بالمسيح:
نقرأ في سِفر أعمال الرّسُل 5: 17 - 29
.
*من كلّ هذه النّصوص وغيرها، نفهم معنى كلام المسيح عن إلقائه السّيف.
كلّ الذين آمنوا بالمسيح تعرّضوا لمشاكل بسبب إيمانهم بالمسيح، وهذا هو السّيف الذي قصده المسيح، ولأنّ الذين آمنوا بالمسيح عبّروا عن إيمانهم بمحبّة صادقة وطاعة كبيرة للمسيح، ولم يتنازلوا أو يتراجعوا عن إيمانهم تحت الضّغط والإرهاب والتّعذيب والقتل، بل بالعكس كانوا متمسّكين أكثر بإيمانهم بالمسيح وبدل أن يخفوه ويستروه كانوا يجاهرون به ويبشّرون بالانجيل. لماذا يا ترى؟ السّبب بسيط، لأنّ الرّوح القدس ساكن فيهم ويقودهم ويزرع في قلوبهم وضمائرهم السّلام، سلام المسيح الذي وعدهم به، سلام المسيح هو سلام الرّوح والقلب والضّمير.
سلام يواجه التّحدّيات والمصاعب والخوف، سلام الدّاخل ينعكس على الخارج فرح واطمئنان ورجاء، سلام ينبع من القلب والضّمير وينعكس على الآخرين حتّى على الأعداء، سلام يُترجَم صبراً على الآلام والخوف والتّشرّد والجوع والمرض والسّجن، سلام بالقلب وبالضّمير يُثِمر شجاعة في مواجهة الموت بوسائل همجيّة. كان أعداء المسيح يقطعون رؤوس المؤمنين بالمسيح أو يحرقونهم، أو يَقلونهم بالزّيت أو يرمونهم طعاماً للأسود والحيوانات المفترسة، وكانوا مصدر تسلية للأُمَم الظّالمة والمظلِمة.
سلام المسيح الذي غمر قلوبهم وحياتهم بالمقابل ترك نتائج مذهلة وثمار مباركة، حيث كان النّاس يؤمنون بالمسيح بالآلاف في ذلك الوقت، والإنجيل وصل للعالم المعروف حينها وكانت الكنيسة تكبر وتكبر وتكبر واسم المسيح يتمجّد.
سلام المسيح لا يعني أنّ المؤمن مُحصّنٌ ضدّ مشاكل الحياة وتحدّياتها بكلّ أنواعها كالمرض، الفقر، الجوع، الاضطهاد .... إنّما يعني مواجهتها بروح الإيمان وبالرّجاء وراحة البال واضعاً كلّ ثقته بالرّب، ومتأكّداً بأنّ آلام الزّمان الحاضر لا تُقاس بالمجد الذي سيُستَعلن فينا، ومتأكّداً أنّ السّلام يبدأ مع المسيح على الأرض ويستمرّ في الحياة الأبديّة.
*ولا ننسى أنّ السّلام الذي يمنحنا إيّاه المسيح هو أيضاً بإزالة الخطيّة من حياتنا وتطهيرنا من نجاستها، ولا يعود لها سلطان على حياتنا كما يعلّمنا الكتاب المقدّس.
عندما يكون الإنسان خاضعاً للشّرّ والخطيّة يكون السّلام الحقيقي مفقوداً من حياته، ربّما يظنّ أنّه سعيد وعنده سلام لكن بالواقع يكون تعيساً، ولا بدّ لهذه التّعاسة أن تنعكس على سلوكه ويصير فريسةً سهلةً للشّرّ الذي مصدره عدوّ الإنسان والمسيح.
أمّا الإنسان الذي يؤمن بالمسيح إيماناً حقيقيّاً تجده سعيداً وعنده سلام مميَّز وحقيقي، لأنّه سلام وَهَبه إيّاه الرّب يسوع المسيح، وبالتّالي سيُتَرجَم في حياته بَرَكةً وصلاحاً وخيراً لنفسه وللآخرين.
*واليوم، كم نسمع ونقرأ اختبارات أشخاص كثيرين آمنوا بالمسيح، وبالرّغم من نكران أهلهم لهم وابتعادهم عنهم، نجدهم فرحين بإيمانهم بالمسيح والسّلام بادٍ في حياتهم. وختاماً، أترك معكم هذه الآية المباركة من الإنجيل المقدّس:
رسالة رومية 5: 1
.