الانسان والنسيان:
النسيان حالة تصيب البشر جميعاً ولكن على مستويات مختلفة، فهو ان تخطّى مستوى معيّناً قد يتطوّر ليصبح مرضاً يصعب علاجه والتّخلص منه...غالباً،
يحتاج الانسان الى وقتٍ طويلٍ كي ينسى ما يعيشه او يصادفه من ظروف او حوادث او صور معينة...لكن أيحصل وينسى كليّاً وبفترةٍ لا تتعدّى الدقائق بالرّغم من سلامة عقله وعدم معاناته من ايّ مرضٍ يُعرّضه للنسيان؟ ماذا نسمّي هذه الحالة؟
النسيان المفاجئ:
منذ اسابيع، طلبت مني زوجتي أن أتوجّه الى "السّوبرماركت" التي تبعد عن منزلنا مسافة دقائق في السّيارة، لشراء غرضٍ محدّدٍ...دخلت السّوبر ماركت، ورحت انتقي بعض الحاجيات المنزليّة، ولكنّ الغرض الذي جئت من أجله قد نسيته كليّاً وعبثاً حاولت ان اتذكّر ماذا طلبت منّي زوجتي أن أشتريه. بدأت اتنقّل في السوبر ماركت من رفٍّ الى رفٍّ محاولاً التّركيز على المواد المعروضة عليها علّني افتكر ذلك الغرض، ولكن دون جدوى...اكثر من نصف ساعة وانا احاول ان اتذكّر ما جئت من اجله، ثم قرّرت العودة الى المنزل، مع انّه كان بإمكاني ان اتّصل بها لأسألها ولكنّي لم افعل...لا ادري ماذا اصابني. عدت الى المنزل حاملاً ما اشتريته، فاستقبلتني زوجتي بعبارة: "شكرا حبيبي...لكنّي لم اوصِك لشراء كلّ هذه الاغراض، فقط طلبت منك شراء الكستناء (نوع من الفاكهة تشوى على النّار).". وللحال وضعت وجهي بين كفّيّ وانا أضحك، وقلت لها لم اشترِ الكستناء لأني نسيت ما اوصيتني!!!. لم تصدّقني وقالت: "بلا مزاح يا حبيب..."، لكنّها تأكّدت من صحّة كلامي بعد ان تفحّصَت الاغراض التي اشتريتها... "
برأيكم ماذا كان ردُّ فعل زوجتي الفوري؟
لا اخفي عليكم، فأنا كمثل باقي غالبيّة النّاس، انسى بعد حين اموراً كثيرة تحصل معي...ولكنّها المرّة الأولى الّتي انسى فيها على هذا النحو ولمت نفسي جداً ليس بسبب الكستناء بل بسبب النسيان الفوري بحدّ ذاته، اذ هذه المرّة انقضت بالكستناء ولكن!!!!...
ابنتي تخفف عنّي:
علمت ابنتي الصغيرة بما جرى معي وسألتني متعجّبة: "معقول يا بابا تنسى شو بدّك تشتري؟" اجبتها: "صرت ختيار (عجوز) يا بابا". فما كان منها الاّ ان غمرتني بشدّة وأدمعت عيناها وردّدت على مسمعي، وكأنّها تريد ان ترفع الّلوم عنّي: "وإذا نسيت...شو صار يعني...انت بعد ما صرت ختيار يا بابا". قالت هذا وانا فهمت القصد من كلامها لأننا سبق وتحدثنا في مراحل حياة الانسان من الولادة حتّى الممات، وكيف ينبغي علينا ان نعيش برضى الله ربّنا.
النسيان النعمة:
صديقي، النسيان قد يكون نقمةً في حالاتٍ معينة، ولكن مما لا شك فيه فهو نعمة ايضاً في حالات خاصّة...هو نعمة لا نستحقها لمّا "ينسى" الله، أي يمحي، خطايا اي انسان تائب مؤمن بالمسيح ايماناً صحيحاً...مكتوب في الانجيل المقدس: "19فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ، لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ.(اعمال الرسل3: 19)، ايضا مكتوب: 23إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ، 24مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، 25الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ.(رومية3: 23-25).