النّصيحة الأولى ـ لا تنتظر: اصبر
يعقوب 5: 8 "فتأنّوا أنتم وثبّتوا قلوبكم لأنّ مجيء الرّبّ قد اقترب". |
|
رأيت مؤخّراً لافتة عليها تعليق مستفزّ تقول "الصّبر مَضيَعة للوقت". تبدو هذه الجملة في البداية أنّها تتعارض مع أقوال "يعقوب" بأن نتأنّى ونثبت. لكن كأغلب الأشياء في حياتنا يتحدّد إدراكنا لها بالمعاني التي نعطيها لها. لو أردنا تعريف كلمة "الصّبر" كـ "انتظار" فذلك يُعَدّ مَضيَعة حقيقيّة للوقت. لكن حين يُفهَم الصّبر في الإطار الكتابي الصّحيح كالقدرة على الاحتمال وسط الظّروف المؤلمة فسيتحوّل إلى قوّة دافعة للتّحمُّل إذا حصل أيّ تأخير. تتطلّب رحلة الإيمان قَدراً كبيراً من الصّبر وعلى فترات متكرّرة. لكن الخلط بين "الاحتمال الصّبور" و"الانتظار الصّبور" لا يُعَدّ الحالة الوحيدة التي يُساء فيها فهم هذه الصّفة الجميلة. فالصّبر قد يُفهَم خطأً ويؤخذ كصفة تنطبق فقط على الحاضر وليس على الأبديّة. وقد يتحوّل أيضاً إلى حجر عثرة في رحلة الإيمان. الصّبر والرّؤيا يسيران دائماً معاً. إنّنا نتحلّى بالصّبر بسبب ما يحمله المستقبل لا بسبب ما يتطلّبه الحاضر. وهذا ما يجعله من أهم فضائل الحياة المسيحيّة. عندما تشير كلمة الله إلى الصّبر يكون ذلك دائماً في سياق الأبديّة فهو يشير إلى المستقبل ويؤكّد الحاضر. الصّبر سيكون له دائماً "سبب" أو "لأن" في مكان ما في الجملة. "فتأنّوا ... لأنّ مجيء الرّبّ قد اقترب". إنّه يدعو المسافر إلى التّحمُّل حتّى يثبت إلى يوم الرّبّ. حينما حرّض "يعقوب" الكنيسة على الصّبر قال "هوذا الفلاح ينتظر ثمر الأرض الثّمين متأنّياً عليه حتّى ينال المطر المبكِّر والمتأخِّر" (يعقوب 5: 7 ـ 11). يصف "متّى هنري" هذه الصّفة الرّائعة فيقول إنّها "ليست مجرّد الاستسلام للضّرورة كما ينادي بعض الفلاسفة بالصّبر المعنوي لكنّها خضوع متواضع لحكمة ومشيئة الله وانتظار المجازاة المستقبليّة المجيدة". يخبرنا "كانون آندرو وايت"، المعروف بقسّ بغداد، في كتابه Faith Under Fire كيف حافظ على إيمانه وسط انفجارات القنابل وعمليّات الخطف والقتل والمعارضة. "أتذكّر كلّ يوم أنّهم وجدوا في القبرالمنديل الذي كان على رأس الرّبّ يسوع ملفوفاً في موضع وحده بعد قيامته (يوحنّا 20: 6 ـ 7). هذا رمز شرقي ذو مدلول عميق مأخوذ من عادات مائدة الطّعام. لو طَويتَ منديلك حين تغادر المائدة فهذا يخبر خدّامك بأنّك لم تنته بعد وستعود. منديل رأس الرّبّ يسوع كان ملفوفاً وحده لأنّه سيعود ثانية. ولأنّه سيعود مرّة أُخرى فلا يوجد شيء أخاف منه. خذ هذه النّصيحة مأخذ الجدّ، ضع "لأنّ" في المواقف التي تتطلّب منك صبراً وطول أناة. لا تضيّع وقتك في انتظار أيّام أفضل. رحلتك ستتطلّب قوّة تحمّل ومثابرة بالإضافة إلى المعرفة بأنّ الأمر في النّهاية يستحقّ. لذا احتمل وتحلَّ بالصّبر ولتُنير كلمات الرّبّ يسوع في متّى 5: 12 طريقك "افرحوا وتهلّلوا لأنّ أَجركم عظيم في السّماوات" |
|
شاركنا "جون" من أريتريا باختبار زيارته لإمرأة تعيش في قرية بعيدة. طردتها أسرتها من بيتها وكانت في نظرهم ميتة بعد أن نالت الإيمان. فاضطرت أن تذهب إلى موقع بناء بعيد وتعيش بأحد البيوت الفارغة. لم تكن تملك إلاّ سجّادة قديمة بالية تفرشها على الأرض. لا ممتلكات، لا أصدقاء، ولا أيّ وسيلة من وسائل الرّاحة. عانت كثيراً من البرد القارس والحرّ اللافح. عندما التقى "جون" بتلك السّيّدة سألها: "هل ندمت لأنّك قبلت المسيح؟" جاءته الإجابة: "لم أندم أبداً لأنّي أنظر فيما وراء الأمور. إنّني أتطلّع إلى الأبدية مع الله!". |
|
"الصّبر مفتاح كلّ شيء. يمكنك الحصول على الكتكوت بعدما تفقس البيضة لا بعد كسرك لها" أرنولد هـ. جلاسو |
|
يا رب، نعرف أنّ نواميس الزّمن وحدود الفضاء لا يمكنها أن تحدّك فأنت أبدي ورؤيتك ليس لها حدّ. ساعدني أن أرى ما تراه وأن أرى التّجارب التي أمرّ بها بمفهوم أبدي. ساعدني أن أرى منديلك الملفوف وأعطني نعمة كي أضع "لأنّ" في كلّ ظروفي وأحتملها بصبر منتظراً مجيئك القريب. |