الثوب السّادس ـ حذاء الاستقامة
تكوين 17: 1 ـ 2 "ولمّا كان أبرامُ ابن تسعٍ وتسعينَ سنةً ظهر الرّبّ لأبرام وقال له أنا الله القدير. سِرْ أمامي وكُنْ كاملاً. فأجعلَ عهدي بيني وبينك وأُكثّرَكَ كثيراً جدّاً". ع 6 "وأُثمِرُكَ كثيراً جدّاً وأَجعَلُكَ أُمَماً. وملوكٌ منك يخرجون" |
|
"سِرْ أمامي وكُنْ كاملاً" هكذا كانت كلمات الرّبّ لأبرام الشّيخ، يا له من إعلان!. "انتعِلْ حذاء الاستقامة وسِرْ أمامي. عيني عليك". هذه كلمات إله سرمدي يُطالِبُ بأسلوب حياة يكون مرضيّاً دائماً أمام عينيه اللتين تراقبان كلّ شيء. بدء رحلة الإيمان يتطلّب ما هو أكثر من معرفة جيّدة باللاهوت المسيحي، أو ما هو أكثر من حُسن النوايا. إنّه يتطلّب أن تسير أمام الله باستقامة، وأن تتكلّم وتتصرّف في كلّ شيء كما لو كنت تعرف أنّك موضوع تحت مراقبته المستمرّة. من اللازم أن نبدأ الرّحلة ونحن مدركون تماماً أنّ كلمة الله هي مرشدنا ومجده هو غرضنا. "سِرْ أمامي". ثمّ يطرأ تغييرٌ كبيرٌ على كلمات الله لمن يطلب أن يسير معه. الكلمة صارت جسداً وصار الله "عمّانوئيل" الذي تفسيره الله معنا. كما سار الله على الأرض هكذا تغيّرت وصيّة "سِرْ أمامي" وتحوّلت إلى دعوة "اتبعني". الفرق في أنّ طُرُق الإله المُراقِب تغيّرت: من شخص يراقب من بعيد إلى شخص مسافر معنا. كان "إبراهيم" يبلغ من العمر 99 عاماً حين أخذ دعوته من الله. يبدو كأنّ الله ليس مُتعجِّلاً في بنائه لرجال ونساء مستقيمين. عمليّة الاستقامة تأخذ وقتاً. وعندما تلقّى "إبراهيم" الأمر بالتّقدُّم أعطى له الرّبّ ثلاث كلمات محدَّدة: علاقة: سِرْ أمامي، استقامة أو أمانة: كُنْ كاملاً، وقوّة تأثير: وأُثمرك كثيراً جدّاً. ترتكز رحلة الإيمان بأكملها على هذه الكلمات الثلاث: علاقة وثيقة مع الله، أمانة أمام الإنسان وقوّة تأثير على المجتمع. وتتشابك خيوط هذه المبادىء الثّلاثة في نسيج الإيمان. فلا أمانة بدون شركة مع الله، ولا يمكن أن توجد أمانة لو لم يكن هناك تأثير، ولا يمكن أن يحدث تأثير لو لم تكن هناك أمانة، ولا علاقة شخصيّة بدون حياة الأمانة. الكلمة العبريّة المقابلة لكلمة "استقامة" هي taw-meem وتعني بدون لَوم، كامل، بدون عيب، غير مدنّس، مستقيم. تظهر الاستقامة في الحياة العمليّة ـ لا الكلاميّة ـ في رحلة الإيمان. انتعل حذاء الاستقامة وسِرْ كشخصٍ موضوع تحت المراقبة وكشخص يقوم بدور المُراقِب. |
|
سافر راهب ذات مرّة مع تلميذه من ديرهما إلى قرية مجاورة. انفصل الاثنان عند بوابة المدينة واتّفقا على أن يتقابلا في الصّباح التّالي بعد إتمام كلّ منهما لمهامه. وفعلاً التقيا وفقاً لاتّفاقهما وبدآ رحلة العودة إلى الدّير. لاحظ الرّاهب أنّ تلميذه كان صامتاً على غير العادة، فسأله إن كان هناك أمراً ليس على ما يرام. فجاءه الرّدّ الجاف: "وما شأنك أنت؟" تأكّد الرّاهب وقتها أنّ أخاه قلق ومتوتّر، لكنّه لم يَقُلْ شيئاً. وبدأت المسافة تتباعد بين الاثنين، إذ كان التّلميذ يسير على مهل كأنّه يريد أن يفصل بينه وبين معلّمه. عندما لاح الدّير من بعيد توقّف الرّاهب عند البوابة وانتظر تلميذه وقال له: "أخبرني يا بنيّ، ما الذي يقلقك؟" بدأ الولد ينتابه الانفعال مرّة أُخرى لكن عندما رأى الدّفء في عينيّ معلّمه رقّ قلبه وقال باكياً: "لقد وقعتُ في خطيّة شنيعة إذ نمت مع امرأة ليلة أمس ونقضت نذوري. لا أستحقُّ دخول الدّير بجانبك". وضع المعلم ذراعه حول كتِفَي تلميذه وأجاب: "سندخل الدّير سويّاً وسندخل الكاتدرائيّة سويّاً. كما سنعترف بخطيّتك معاً. لا أحد غير الله سيعرف من سقط فينا". |
|
"ليس ما نأكله هو ما يقوّينا بل ما نهضمه ، ليس ما نكسبه هو ما يُغنينا بل ما نوفّره، ليس ما نقرأه هو ما يعلّمنا بل ما نتذكّره، ليس ما نؤمن به هو ما يجعلنا مستقيمين بل ما نعيشه" فرانسيس بيكون |
|
يا ربّ، أُصلّي أن تكون حياتي دائماً جديرة بعينيك المراقبتين. أُصلّي أن تكون كلماتي وصلواتي تتوازى مع تصرّفاتي وأعمالي. ليت أمانتي تؤكّد قداستك. |